الخميس، 7 يوليو 2022

       مَسائلُ حَديثيّةٌ (43):

فَضْلُ صَلاةِ الفَجْرِ في جماعة!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

كتب إليّ أحد الأصدقاء على الخاصّ يسأل عن حديثِ أنس بن مالك قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ)

قَالَ أنسٌ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ)؟

أَقول وبالله التوفيق:

هذا الحديثُ انفرد به الترمذيّ عن سائر أصحاب الكتب التسعة، وقالَ:

«هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَعِيلَ البخاريّ عَنْ أَبِي ظِلَالٍ القَسمليِّ؟ فَقَالَ: هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ، وَاسْمُهُ هِلَالٌ» ولم يعزه المزيّ في التحفة (1: 422) إلى غير الترمذيّ.

وفي إسناده أبو ظلال القسمليّ هذا، ترجمه الذهبي في الميزان (4: 316) وقال:

     قال ابن معين: ضعيف، ليس بشيء.

وقال النسائي والأزدي: ضعيف.

وقال ابن عديّ: عامّة ما يَرويه؛ لا يُتابعه الثقات عليه.

وقال ابن حبّان: مُغفّل، لا يجوز الاحتجاج به بحال.

وقال البخاري: عنده مناكير».

وهذا يعني أنّ إسناد الحديث ضعيفٌ جدّاً، وإن حسّنه الترمذيّ والألبانيّ.

أمّا عن متنه؛ ففيه مبالغاتٌ وشطح، يُعرَف منهما أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لم يقله قطّ!

وهو مُعارَضٌ بحديث جابر بن سمرة الصحابيّ قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ؛ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ) أخرجه أحمد في مسنده (20063) ومسلم في المساجد (670) وأبو داود في الأدب (4850) والبغوي في شرح السنة (711).

ومُعارَضٌ بحديث عثمان رضي الله عنه قال: سمعت الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ؛ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ؛ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) أخرجه مسلم في المساجد (656) وغيره.

وتوضيحه عند أبي داود (555) ولفظه (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ؛ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ؛ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ).

فهذا كلام معقولٌ مقبولٌ، خالٍ عن الأوهام والخيالات!

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

      مَسائلُ حَديثيّةٌ (42):

فَضْلُ صِيامِ يَومِ عَرَفةَ!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

سألني عددٌ من الإخوة والأصدقاء، عن الحديث الوارد في فضل صيام يوم عرفة؟

فقلت لجميعهم: خرّجت سابقاً هذا الحديثَ، وبيّنت ضعفه، فابحثوا عنه.

إلّا أن بعض الإخوة أصرّوا على أن أعيد نشر تخريج الحديث؛ لإزاحة إشكالاتٍ في متنه.

بحثت عن الحديث في محفوظاتي، فلم أجده، وها أنا أخرّجه إليكم باختصار.

ومن كان محتفظاً بتخريجي السابق للحديث؛ فليضعه في خانةِ التعليقات؛ لأنني أضعف من أن أخرّجه اليوم بمثل ما خرّجته به منذ سنتين!

بإسنادي إلى الإمام مسلم في كتاب الصيام (1162) قال رحمه الله تعالى:

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى - قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ جَرِيرٍ المِعوليّ «أنّه» سَمِعَ عَبْدَاللهِ بْنَ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيَّ «يحدّث» عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهِ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!

فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً!

قَالَ أبو قتادة: فَسُئِلَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ؟

فَقَالَ: (لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ) أَوْ (مَا صَامَ وَمَا أَفْطَرَ).

قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: (وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ)؟

قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: (لَيْتَ أَنَّ اللهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ).

قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ؟ قَالَ: (ذَاكَ صَوْمُ أَخِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام).

قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟ قَالَ: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ) أَوْ (أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ).

قَالَ: فَقَالَ الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَوْمُ الدَّهْرِ).

قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ).

قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ).

قال الإمام مسلم: «فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، قَالَ أبو قتادة: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ؟ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ، لَمَّا نُرَاهُ وَهْماً.

وحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ: حَدَّثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ: حَدَّثَنَا غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ، بهَذَا الْإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الِاثْنَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَمِيسَ».

قال الفقير عداب:

مدار حديث الباب على غيلانَ بن جريرٍ المعوَليِّ الأزديّ، رواه عنه:

أبان بن يزيد العطّار، عند مسلم (1162).

حمّاد بن زيد، عند مسلمٍ (1162) وابن ماجه (1730، 1738) وأبي داود (4225) والترمذيّ (749، 752)

ومهدي بن ميمون الأزديّ، عند أبي داود (4225)

وأخرجه الإمام أحمد من طريق شيخه سُفْيَانَ بن عيينة قَالَ: سَمِعْنَاهُ مِنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ عَنْ أَبِي قَزْعَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ «حرملة بن إياس» عَنْ أَبِي قَتَادَةَ.

قال عداب: وفي إسناده أبو حرملة هذا، اختلفوا في اسمه، أهو إياس بن حرملة، أم حرملة بن إياس، وهل حديثه مرفوع أم موقوف؟

وقال البخاريّ في التاريخ الكبير (3: 67): وهم، ولم يصحّ إسنادُه!

وقال الدارقطنيّ في أجوبته على سؤالات البرقانيّ (24): «لا يصح، وهو كثير الاضطراب، مرة يقول ذا، ومرة يقول ذا، لا يثبت».

وبهذا يبقى مدار حديث الباب على غيلان بن جرير.

وغيلان بن جرير من ثقات المحدّثين.

أمّا عبدالله بن معبد الزمّاني؛ فقد ترجمه ابن عديٍّ في كتاب الضعفاء (5: 372) وقال: «سمعتُ ابنَ حمّاد يقول: قال البُخارِيّ: عَبدُالله بن مَعبدٍ الزماني الأنصاري، يروي عَن أبي قتادة، لا يعرف له سماع من أبي قتادة» وساق ابن عديٍّ حديثَ الباب، ثم قال:

«وهذا الحديثُ؛ هو الحديث الذي أرادَ البُخارِيّ أنّ عَبدالله بن مَعبدٍ، لا يعرف له سماعٌ من أبي قتادة».

قال الفقير عداب: ليس للزّمانيّ هذا في الكتب الستّة، سوى هذا الحديثِ الواحد.

وله رواية مقطوعةٌ عند مسلم (3030) على عبدالله بن عتبة المسعوديّ، في سبب نزول آية.

فيكون حكمي على الحديث؛ أنه حديثٌ فردٌّ مطلقٌ غريبٌ لا يُعرف إلّا من حديث عبدالله بن معبد الزمّاني عن أبي قتادةَ، تفرّد به عنه غيلان بن جرير.

وإسناده ضعيف؛ لأنه منقطعٌ، ولتفرّد هذا الزمّاني به، دون سائر أصحاب أبي قتادة المعروفين بالرواية عنه، ناهيك عن وجود إشكالات كثيرةٍ في متنه!

أمّا حديثُ أبي هريرة في نهي الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم عن صيام يوم عرفة بعرفة؛ فمداره على مهدي بن حربٍ العبديّ، قال أحمد ابن حنبلٍ: لا أعرفه، وقال الذهبي في الميزان (4: 195): مجهول، فالحديث به ضعيف!

لكنْ ليس معنى هذا؛ أنّه لا يجوز صومُ يوم عرفة، بل يجوز صومه للحاجّ وغير الحاجّ، إنّما من دون اعتقاد أنّه يكفّر ذنوب سنةٍ أو سنتين، أو يوماً أو يومين.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

والحَمْدُ للهِ على كلِّ حالٍ.

الثلاثاء، 5 يوليو 2022

        مِنْ عِبَرِ التاريخِ (13):

تاريخُ عدابِ الحَمش في صفحات (2)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

ذكرتُ في المنشور السابق (1) أنّ والدتي عندما قرّرت الانفصال عن والدي؛ بقيَت سنتين عند أهلها، ورفضت العودةَ إلى والدي، على الرغم مما كانت تعانيه من شوقها لابنتيها.

وبقيتُ أنا وأختيّ ليلى (1952 - 1967م) وأختي فريال (1954 - 2017م) عند والدي، وكانت ترعانا ابنة عمّي أمّ عماد خولة بنت عبدالرزاق بن إبراهيم، توفيت (2018) ووالدتها أمّ ضرار هاجر بنت محمّد السراقبي العنَزيّ (ت: 1992م) تقريباً، رحمة الله عليهم أجمعين.

ويحسن في هذا المنشور؛ أن أذكر أبرز الأحداث التي جرت لي شخصيّاً، قبل دخولي المدرسة الابتدائيّة عام (1956).

أوّلاً: الإصابة الأولى:

عندما كان عمري دون سنتين؛ اختصم والدي مع والدتي، كما هي العادة في كلِّ يوم، وكانت تحملني بين ذراعيها، كأنها تحتمي من قسوته بي!

كان بيده عصاً غليظة، تدعى (الغازوز) وهي عصاً صلبة جدّاً من خشب السنديان، كانوا يستعملونها لأحمال الجِمال الثقيلة.

كأنّ والدتي رفعت صوتها عليه - وهي عصبية جدّاً - فضربها بالغازوز على رأسها، فحادت يمنةً أو يسرةً، فوقع الغازوز على رأسي أنا!

ظللت أصرخ بعد ذلك حتى بلغت الثالثةَ والنصف من عمري!

حدّثتني بنت عمّي أمّ عماد قالت: كنّا نتناوب عليك خمسُ بناتٍ صغيرات، نخرج بك إلى الشارع، نسير بك في زقاقنا، لعلك تسكت، لكن من دون فائدة!

وحدّثتني والدتي قالت: عندما أصابك الغازوز، وسال الدم من رأسك الصغير؛ لبست ثيابي، وحملك مسرعاً إلى الطبيب (شكيب الدلّال) ولم يقل الحقيقة للطبيب!

فقلت له أنا الحقيقة!

فالتفت إلى والدي وقال له: أنت رجل متديّن، كيف تستجيز أن تضرب زوجتك الصالحة بالغازوز، أما تخاف الله يا رجل؟ والله لن أعالج ابنك حتى يموت، أو تقول لي: ماذا صنعت لك بنت محيي الدين النشتر؟

قال له: ردّت بوجهي!

قال له: الحمويون أكثر أناس يردّون في وجه الله ويشتمونه، هل وجهك هذا أعزّ من وجه الله تعالى؟

والله يا محمود الحمش، أنت لا تستحقّ هذه البنت، ولا يستحقها واحدٌ من هذا الحيّ الصلف العنيد!

لا أدري والله كيف زوجتك إيّاها الشيخة سكينة الولي؟

كان الدكتور (شكيب) على صلة قوية بآل النشتر وحيّ باب القبلي، وقد حدّثني عندما كبرتُ بعدد من قصص ذلك التاريخ، رحمه الله تعالى.

كان لدى والدي عربةُ حصان فاخرة، قليلة المثيل في مدينة حماة، فحملني مع والدتي بها، بناء على مشورة الدكتور شكيب، وأوصلني إلى بيت والدها.

كان لدى جدّي محيي الدين خبرةٌ بدائيّة في الطبّ والجراحة، ومن هذه الخبرة المتوارثة؛ أخذت الأسرة لقب (النشتر).

بعد عدّة أشهرٍ من الصراخ الدائم المستمر مع العلاج؛ توفاني الله تعالى، وغسّلوني وكفنوني، وخرجوا بي إلى القبر، وأخبروا والدي، الذي حضر ليدفنني!

نزل والدي في القبر، وكشف وجهي يقبّلني، ثم وضعني على شفير القبر، لم تستطع يداه أن تحملاني.

ثم صرخ صوتاً عالياً جدّاً، خاطب به الله تبارك وتعالى، وجاء خالي فكشف عن وجهي، فعطستُ، ورجعتُ إلى الحياةِ، فحملني والدي، وصرخ بوالدتي أن الحقيني، وكان والدي مرعباً، فلحقته والدتي خوفاً، وعاد بنا إلى بيته.

حدّثني بهذه القصّة جدّتي سكينة وجدّي النشتر ووالدتي ووالدي.

ثانياً: الإصابة الثانية: كان والدي يحبّني كثيراً، وكان يحبّ والدتي أكثرَ مني - كما حدثني هو - وكان والدي ينام في الصيف على سطح المنزل المرتفع سبعة أمتار عن أرض الديار الصخرية.

ففي ذلك اليوم كان الجوّ حارّاً، وكنت ما زلت في حال الصراخ الدائم، فأصعدني معه إلى سطح المنزل، ونام.

قمتُ أنا ومشيت في ظلام الليل، فوقعت على ظهر المطبخ، الذي كان من ألواح (توتياء) ثم وقعت على الأرض.

صحا والدي من نومه على صوت الألواح، ثم رمى بنفسه إلى أرض الديار؛ ليجدني جثّةً هامدةً!

كان والدي جهوريَّ الصوت جدّاً، فاستيقظ كثير من الأقارب الجيران على صراخه، واستيقظ جدي السيد إبراهيم.

أقبل عليّ جدي، وبيده عصا خيزران، فضربني بها، فلم أتحرّك، فحملني بين يديه، ووضعني بجانبه على سريره، وراح يقرأ القرآن والأدعية، حتى أُذّن لصلاة الفجر.

قاموا جميعا وصلّوا، ثمّ دعا جدّي وأمّنوا، فأفقت وناديت على الوالدة، التي أُغمي عليها مِن الصدمةِ.

وأراد أن يحملني والدي، فمنعه جدي أن يلمسني حتى أذبح قرباناً.

كان لوالدي قطيع من الغنم، وكان على الدوام منها في منزلنا خمسة خراف.

أشار جدي إلى أفضلها، فذبحه والدي، ووزّعه على فقراء الحيّ، ثم أمره فذبح كبشاً آخر، وأطعمه لأهل المنزل، شكراً لله تعالى.

عقب هذه الحادثةِ؛ لم أعد أصرخ، وكان عمري في حدود الثالثة والنصف!

ومنذ ذلك اليوم غدا آل الحمش ينادونني الشيخ عداب.

حدّثني بهذه القصّة جدّي ووالدي ووالدتي، رحمهم الله تعالى.

ثالثاً: عندما أتممت الرابعة من عمري؛ كنت فصيح اللسان، كثيرَ الثرثرة، عنيداً بما يقرب من عناد والدي!

كانت الوالدة تريدني أن أبدأ بحفظِ القرآن الكريم، لكنني ما كنت أستجيب لها.

فتآمرَت مع والدي على أن تضعني في كُتّاب الشيخ عارف النوشيّ، الذي كان يبعد عن بيتنا أربعة أمتار، على أن يوصي والدي الشيخ عارفاً بأن يلين خطابي، ويرغّبني بالسكاكر والحلويات، ووالدتي تتكفّل بإحضار جميع ذلك، وتعطي الشيخ عارفاً أجرةً أسبوعيّةً ضعفَ جميعِ الأولاد.

عرض والدي الفكرة على الشيخ عارف، الذي كان يحبّني كثيراً جدّاً، وكان يعطيني (سكّرة) كلما شاهدني جالساً على باب المنزل، لكنني كنت أرفض أخذ شيء منه، كما حدّثني هو.

قال لهم الشيخ عارف: عداب ولد ذكيّ نبيه، لكنّه عنيدٌ مثل أبيه محمود، ضربت محمود أكثر من (100) عَلْقَةٍ، ثم طردته؛ لأنه كان يشغل الأولاد عن الحفظ، يضرب هذا، ويشتم هذا، ولم يكن لديه رغبة بتعلّم شيءٍ!

أحضروني إلى الشيخ عارف، الذي كان يدللني كثيراً، على خلاف جميع الطلاب الصغار!

كان لدى الشيخ عارف عصاتان من خيزران، إحداهما غليظة، والأخرى رفيعة!

كان يضرب الأولاد الكبار بالكبيرة، ويضرب الأولاد الصغار بالصغيرة، إذا شاغبوا، وعندما كان يضرب ولداً من الكبار؛ لم أكن أقول له شيئاً!

أمّا إذا ضرب ولداً من الصغار؛ فكنت أصرخ عليه، وأقول له: يقول الله تعالى في القرآن: حرام عليكم تضربوا الأولاد الصغار، لذلك ما بجوز تضرب الصغار.

وكنت آخذ من كيس حلويّاتي، وأعطي الأولاد الصغار كلهم، دون الكبار!

لماذا؟ لا أعلم!

كان الشيخ عارف يعلّمنا في كلّ يوم سورةً واحدةً من قصار السور، وفي اليوم التالي نسمعه إيّاها، ثم يعطينا سورة جديدة.

وكان طيلةَ النهار يكرّر علينا السورة، والتلامذة يرددون وراءه!

لكنني يصبح لديّ إشباعٌ، بعد ثلاثِ أو أربع مرّاتٍ، فأقول له: خلاص خلاص، أو كفى كفى، حفظنا السورة!

فيقول لي: أسمعني السورة لأرى؟ فأسمعه إيّاها، فيحاول أن يجد أحداً حفظها غيري، فلا يجد!

فيُضطرّ إلى التكرار، وأنا أرفض التكرار، فكان يفضّل أن يوصلني إلى البيت، وينادي على الوالدة حتى تستلمني، وهكذا طيلة جميع الصيفيات التي حضرتها عليه قبل الابتدائيّة!

حدثني بذلك هو، وحدثتني به والدتي.

كانت والدتي تحتال عليّ لأحفظَ أكثر من سورة كلّ يومٍ، فأرفض، وأقول لها: الشيخ عارف يزعل، ورفاقي الصغار يزعلون، لازم ما أحفظ أكثرَ منهم.

ويبدو لي أنني كنت غيرَ واعٍ لشيءٍ مما حولي، إنّما كانت ذاكرتي قويّةً فحسب!

دليل ذلك أنني لا أتذكّر شيئاً من مجالس الشيخ عارف قبل الخامسة من عمري.

وانظر أنت أخي القارئ: بدأتُ بحفظ القرآن الكريم في الرابعة من عمري، تقريباً، وعندما دخلت المدرسةَ الابتدائيّةَ في السابعة، إلّا ثلاثةَ أشهرٍ؛ لم أكن حفظت سوى (جزء عمّ).

ولو كنت واعياً، مدركاً ما معنى قرآن، وما معنى حفظ؛ كنت حفظت القرآن العظيم كلّه في أقلّ من ثلاث سنوات!

هذه أبرز الأحداث التي عشتها قبل دخولي المدرسة الابتدائيّة.

والله تعالى أعلم.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

       مِنْ عِبَرِ التاريخِ (12):

تاريخُ عدابِ الحَمش في صفحات (1)!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(رَبَّنَا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.

رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

ذكرتُ سابقاً أنني لستُ من المتواضعين أبداً، ولم أكنْ متواضعاً في حياتي، ولا أحبّ كلمة «التواضع» إلا إذا توجّه بها صاحبها إلى الله تعالى (مَن تواضع لله تعالى؛ رفعه الله).

إنّما أنا أخفض جناحي لإخواني الذين أحبّهم، وأتحمّل خشونة بعضهم إلى أقصى المدى!

أمّا الفسقةُ والمعرضون عن طاعة الله تعالى؛ فأنا سيف مسلطٌ على رقابهم!

فما تقرؤه في هذا المنشور؛ هو عداب الحمش، من دون تزيّد ولا تواضع!

(1) والدي: هو السيد محمود  (1920 - 2012م)  بن السيد إبراهيم (1867 - 1968م) بن الشريف الوليّ الصالح «محمّد الحَمش» (1813 - 1936م) آل كنعان الحسيني، الرضويّ نسباً، النُعيميّ قبيلةً، الحموي.

ووالدتي: هو الخاتون خديجة (1929 - 1981م) بنت محيي الدين بن فارس، آل الأمير مغني باشا النشتر الأيوبيّة.

كان سيدي الوالد أمّيّاً، حضر على جدّه الحمش طيلةَ حياته، ثمّ حضر على الشيخ سعيد الجابي ثلاثةَ عشر عاماً، إلى آخر أيّامه، كما حدّثني.

أمّا سيدتي الوالدة؛ فدرست أكثرَ الصفّ الأوّل الابتدائيّ في المدرسة الرسميّة، ثم صار الجنودُ الفرنسيون (السنغال) يخطفون النساء الكبيرات، والبنات الصغيراتِ، في حيّ المَدينة القريب من معسكرات الفرنسيين، فتركت هي وجميع بنات النشتر المدرسة، فليس في ذلك الجيل بنت متعلمة!

وبقيَت في كتّاب الشيخ محمد النبهان، حتى حفظت كتاب الله تعالى، ومنحها إجازة بالقراءة والإقراء، على رواية حفصٍ عن عاصمٍ، في سنّ الثالثة عشرة.

وحصلت على إجازة من شيخٍ ثان من حيّ باب القبلي، نسيتُ اسمه.

ثمّ تابعت دراستها الشرعيّة على والدتها الشيخة سكينة بنت أحمد بن مصطفى الوليّ العمريّ، وعلى الشيخ صالح النعمان.

كان والدي وجدي لوالدي وعمي الوحيد، وعمّتاي، جميعهم أميين.

وكانت والدتي ووالدها وخالي الوحيد، وخالاتي الأربع، جميعهم أمّيين.

(2) نسبة (الحمش) ليست نسبية اسميّة ولا عشائريّة ولا مناطقيّة!

في أسرتنا (آل كنعان) يسمون أكثر الأولاد باسمين، يتقدم الاسم الأصلي اسم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.

فأنا محمد فيصل.

وابن عمي محمد سعيد

وابن عمتي محمد رجب.

وكان اسم جدّنا الحمش (محمّد) ولقبه الحمش، قال لي جدّي: لقّبوه الحمش حتى لا ينادى باسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيساء إلى الاسم العظيم.

وقال لي عمّي محمد حمشو، الذي أدرك (23) سنةً من حياته: إنما لقّب الحمش لجماله، فقد كان وجهه يضيء كالمصباح!

ولقب فرع عائلتنا من آل كنعان (أولاد الشيخ خضر) البو هبطة، أو الهبطة.

لأنّ جدّنا الشيخ خضر الكنعان في زمان العثمانيين كان شيخَ الهبطة، وكان شيخ النقارنة، وشيخ آل كنعان.

والهبطة: سوق المواشي خاصّة، وقد يضمّ سوق المواشي جميعَ ما يحتاجه (العيد).

ولا تزال المهنة الأشهر لأولاد الشيخ خضر؛ هي مهنة الزراعة، ومهنة تربية الماشيَة والاتّجار بها.

هذا هو الوسط العائليّ الذي نشأت فيه خمساً وعشرين سنةً من حياتي.

(3) ولدتُ أنا الفقير عداب، عند أذان فجر يوم الجمعةِ، السابع عشر من شهر صفر الخير، من شهور سنة (1369 هـ) الموافق (9/ 12/ 1949) كما حدّثتني والدتي، والمسجّل في جواز سفري (11/ 12/ 1949).

واسمي في دائرة الأحوال المدنيّة، وفي هويتي الشخصيّة، وفي جواز سفري (عداب) وباللغة الانجليزية (aadab) وكلّ من يزعم أنني قلت له: إنّ جدي سماني (عذاب) فهو كذّاب، كائناً من كان.

ولدتُ كما يولَد جميع أطفال بني آدم، من دون خوارقَ، ولا كراماتٍ، بل على العكس تماماً، فقد حدّثتني والدتي أنّ حملَها بي كان أقسى من حمل إخواني وأخواتي التسعة الآخرين.

وحدّثتني والدتي أنّ صراخي حين وُلدتُ كان مخيفاً مرعباً، لم ينقطع، حتى حُملت إلى جدي السيد إبراهيم، فأذن في أذني، وقرأ علي شيئاً من القرآن الكريم والأدعية، حتى هدأتُ.

(4) كانت العلاقةُ بين والدي ووالدتي سيّئةً للغاية، فهما على طرفي نقيضٍ، ولا يشتركان في أيّ صفةٍ، سوى صفةِ الالتزام بالعبادات.

كانت والدتي رقيقةَ البنية، وكانت تتقن عدّة مهن كالتطريز وحياكة الصوف والسجّاد العجمي، لكنها لم تعجن في حياتها السابقة قبضةً من طحين، ولم تخبز رغيفاً واحداً على (الصاج) أو على (التنور) ولا دخلت حظيرةَ دوابٍّ قطّ.

وأراد والدي أن يلزمها بكلّ ما في حياة نساء آل الحمش من قسوة فائقة، من اليوم التالي لزفافهما؛ لأن الرجولة تقتضي هذا.

قالت والدتي: كلّفوني بعجن طبقٍ من الطحين، يزيد على ثلاثين كيلو غراماً، فتسلّخ كفّاي وساعداي، فأخذني والدي وعالجني أكثرَ من أربعة أشهر.

وكان الأسوأ من هذا أنني كنت حاملاً بشقيقتك فاطمة الكبرى، عليها رحمة الله.

قال عداب: حياتنا كانت جحيماً لا يطاق، فقد كنّا نحن الصغار نرعب من والدنا أكثر مما نرعب من الأسد!

(5) كان لآل النشتر بقايا من أوقاف الأيوبيين الذريّة، فكان يأتينا من هذه الأوقاف في كلّ يوم جمعةٍ عددٌ من سلالِ الخضار والفاكهة الموسمية، على مدار العام.

وكانت تستلم والدتي في كلّ شهر (59) أو (69) ليرة سورية من هذه الأوقاف.

فكانت توزّع من الخضار والفاكهة لجميع من ينتسب إلى (الحمش) في حيّ الفرّاية.

كانت والدتي يسيرة الشخصية ظاهرها كباطنها، فكانت ربما فخرت على بنات «الحمش» وعلى نسائهم بأنها أميرة، وأنهن فلاحاتٌ بدويات جاهلات، وأنّ النسبَ لا ينفع شيئاً مع الجهل!

كانت بنية والدتي ضعيفةً جدّاً، فكانت تقوم إحدى بنات الحمش، وتبطحها في الأرض، وتضربها ضرباً مبرّحاً، حتى تشفيَ غيظَ غيرتها منها!

وعندما يأتي والدي في المساء؛ تخبره أخواته بما فعلت خديجة، فتنال جزاءها الأقسى!

وهكذا مضت حياتنا كلّها تعاسةً وشقاءً وقسوة!

(6) لأنّ والدتي كانت تعدّ عالمةً في آل (الحمش) ولأنها كانت غنية؛ استطاعت أن تقنع والدي بأن تسجلني في (روضة الأطفال) وكانت تدفع قسطَ الروضة الزهيد منها، إذ رفض والدي ذلك.

فكانت والدتي تشتري لي أجمل الثياب، وتحضّر لي أطايب الطعام، لآخذها معي إلى الروضة.

كانت معلمتي في سنتي الروضة أستاذةً جميلةً أنيقةً جدّاً من آل (الملي) كانت تعنى بي كثيراً، وكانت مديرتنا الفاضلة (أمّ خلدون الأحدب).

عقب دخولي الروضة بأيام، وربما بأسبوعين؛ اختصمت والدتي مع والدي، فضربها بقسوة؛ لأنها لم تنجز تنظيف حظيرة الدوابّ، ولم تستطع إكمال طحن العلف، وانشغلت بتهيئة الطعام له وللأسرة!

فقرّرَت الانفصالَ عنه، فأوصلتني إلى الروضة، وقبّلتني كثيراً، وبكت، ثم ذهبت إلى أهلها، وبقيت عندهم سنتين!

كانت تزورني مرّةً في كلّ أسبوعٍ في الروضة، وكنت أؤنّبها لأنها تركتني وأخواتي، فكانت تقول لي دائماً: أخاف على نفسي من الكفر يا حبيبي!

ولم أكن أفهم عليها ماذا تعني!

حتى دخلتُ في المدرسة الابتدائيّة، فرجعَتْ إلى والدي، ولا أعلم كيف ولماذا؟

(7) عندما أخذتني والدتي إلى مدرسة (العهد الجديد الابتدائيّة) طلبَتْ منهم أن يُجروا لي امتحاناً؛ لأنني أحمل شهادة نجاحٍ من الروضةِ إلى الصفّ الثالث؛ لأنّ الموادّ التي كانوا يدرسوننا إياها في الروضة؛ هي ذاتها موادّ الصف الأوّل والثاني.

فقرّر المدير الفاضل النبيل السيّد (مصباح العلواني) أن يضعني في الصفّ الثالث الابتدائيّ، وطلب من والدتي أن ترسل والدي إليه.

عندما ذهبت مع والدي إلى المدرسة؛ تحدّثا بأشياء كثيرة، لكنّ والدي أصرّ أن يعيدوني إلى الصفّ الأوّل الابتدائيّ، فأعادوني، وسمعت المدير يقول لوالدي:

«الله يكون بعون عداب على أبو عداب».

والله تعالى أعلم

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى الله على سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً

والحمد لله على كلّ حال.

الاثنين، 4 يوليو 2022

اجْتِماعِيّاتٌ (95):
حين تنبَحُ الكلاب على العَدابِ!؟
في (22) يناير، من شهور عام (2021) زارني في بيتي في استانبول الأخوان الفاضلان، الدكتور حذيفة عكّاش الحمصيّ، والأستاذ عبدالله زنجير الحلبي، رحمه الله تعالى.
وصلتي بالأستاذ عبدالله زنجير؛ ترجع إلى أيّام إقامتي في مكة المكرمة، من (1978) حتى (1987م) ومن صفات هذا الرجل؛ الوفاء والأدب!
نشر الأستاذ عبدالله على صفحته صورةً جمعتنا نحن الثلاثة: عبدالله وحذيفة وعداب.
فعلّق أحدُهم بتعليقاتٍ متعددةٍ، وصفني فيها بهذه الأوصاف (المنافق، الخائن، المنتفع) وقال: (عداب يمجّد الشيعةَ ومشايخهم وأئمتهم، ويخاطب الخرامنئيّ بسيدي ومولاي) وقال أيضاً (عندما كان في مكة المكرمة؛ كان من أشدّ الناس تسلّفاً، ومن تشدّده كنا نحسب أن الشيخ عبدالعزيز بن باز تلميذه!
وحين انتقل إلى العراق؛ انقلب فجأةً (24) درجة، فأصبح صوفيّاً، شاذّاً منحرفاً، يمجّد الأولياء، ويدعي الكرامات والخوارق لمشايخهم.
والآن أصبح متشيعاً يمجّد الخرامنئيّ، ويعتبره سيّده وتاج رأسه وقدوته!
فكيف يمجّد الشيعة، وهم يقتلون جهاراً ونهاراً، ويسبون أمهات المؤمنين والصحابة الكرام»؟
لا أريد أن أسترسل أكثر في نقل هذا الكلام القذر، لكنني أعتب على الإخوة الذين قرؤوا هذا الكلام؛ لأنهم لم يردّوا على هذا الكلام الباطل!

فلا أدري سبب سكوتهم، أهو موافقتهم على هذه الأوصاف التي وصفني بها؟

أم هو الجبن والمجاملة اللذان يدفعانهم إلى السكوت؟
وقد طلب مني أحدُ أولادي حذفَ هذا المنشور؛ فوعدته بذلك!
ثمّ رأيت أن أعدّله بما لا يتنافى مع مراد تلميذي الكريم.
وأسألكم بالله الذي لا ربّ غيره، هل عداب خائن منافق منتفع؟
هل قرأتم لي كلمة ثناءٍ واحدةٍ على الخميني والخامنئيّ؟
إن تغير اجتهاد العالم؛ دليل سعة علمه واطلاعه وصدقه مع الله، وإخلاصه له تعالى، وليس شيئاً يعيّر به!
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والحمد لله على كلّ حال.

الأحد، 3 يوليو 2022

بَعيداً عن السياسةِ (12):

اتّقوا النساء!؟

بسم اللهِ الرحمن الرحيم

(رَبَّنا: عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.

رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.

رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(رَبَّنَا: افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).

لست بصددِ موعظةِ حكّامنا في البلاد العربيّة، فأنا لا أرى فيهم مَن يستحقُّ أن يوعَظَ، كما لا أظنّ أحداً منهم لديه قابليّةُ الاعتبار والاتّعاظ؛ لأنّ الحرام يحيط بهم من كلّ جانب: مأكلهم حرام، ومشربهم حرام، وملبسهم حرام، ولديهم كلّ الأثرةِ والظلم، عليهم من الله تعالى ما يستحقّون!

إنّما أريدَ تذكيرَهم بشيءٍ، يعودُ بالنفعِ عليهم، وعلى استقرار ملكهم وبلادهم!

إنّ إشاعةَ العدلِ، وتعليمَ الناسِ الدينَ الحقَّ، وتسخير وسائل الإعلام لتفهيم المجتمع الأخلاقَ والسلوك الحسن؛ من شأنه أن يحبّبهم إلى رعاياهم، حتى وإن كانوا منافقين، يظهرون الاهتمام بالإسلام، وهم إنما يمتطون حصانه السبوق!

إنّ جهلَ الإنسان بالدين، وعدم تعليمه الحلال والحرام، وتربيته على الأخلاق الحميدة؛ يجعله أخطرَ من الوحش؛ لأنّ يشترك مع الحيوان بغرائزه، ويزيد عليه بعقله وإرادته.

وإنّ أخطر ما يترتّب على الابتعاد عن الدين والأخلاق؛ شيوعُ الرغبة بالانتقام، التي قد تصل إلى حدّ القتل!

وبين أيديكم في هذه الأيام حوادثُ قتلٍ نسائيّةٍ انتقاميّة في مصر والأردنّ والإمارات، وربما في غيرها، ناهيك عن القتلِ السياسيّ المستمرّ منذ سنواتٍ، في سوريا وليبيا والعراق واليمن!

وإنّ مما يتعيّن على كلّ واحدٍ منّا معرفته، والوقوف عنده؛ أنّ لذِكْرِ الرسول صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم أحاديثَ المستقبل، من الفتن وأشراط الساعة وعذاب القبر؛ وظيفةَ الترهيبِ والتحذير، أكثرَ من وظيفة الترغيب والتبشير؛ لأنّ اجتنابَ المحظوراتِ آكدُ في استقرار المجتمع وحصانته من القيام بالمندوبات والقربات!

أخرج الإمام البخاريّ في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة (7288) ومسلم في الفضائل (1337) واللفظ له، من حديث أبي هريرة قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم، فَقَالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ: قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ؛ فَحُجُّوا).

فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟

 فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم، حَتَّى قَالَهَا الرَجلُ ثَلَاثًا!

فَقَالَ رَسُولُ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم: (لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ؛ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ).

ثُمَّ قَالَ: (ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ!

فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ؛ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ؛ فَدَعُوهُ).

والمنظومة الأخلاقيّة في الإسلام؛ منظومةٌ متكاملةٌ، يشدّ بعضها بعضاً، وإنّ التهاونَ بشيءٍ من المحظورات؛ سبيلٌ إلى ارتكاب ما هو أشدّ منه، وهكذا تِباعاً.

ولنضرب مثالاً ممّا نعيشه هذه الأيام:

إنّ سفورَ الشابّةِ يستدعي نظر الرجال إليها!

وإنّ المبالغةَ في جمال ملابسها، وتفصيلها لتضاريسها المثيرة بالفطرة؛ سبيلٌ إلى الاقتراب منها؛ لأنّ الرجل - وأنا من هؤلاء الرجال حتى اليوم - لا أعقل أن تتزيّن المرأةُ، وتلبس أفخم ثيابها، وتتعطّر، وتختال في مشيتها، وتُطلق ضحكاتها، ثم تكون بريئةً لا تريد صرفَ قلوب الرجال إليها.

فإذا اجتمعت مع بعض الشباب الثائر في عملٍ أو دراسة؛ لا بدّ من أن تأنس بواحدٍ منهم، فتبدأ تلقائيّا تتلطّف به، وترسل إليه بقصدٍ - غالباً - وبالفطرة أحياناً برقياتِ الإعجاب!

فإذا تعلّق قلبه بها؛ سلبت قلبَه وعقلَه وأعصابه!

فإذا اكتشفت الشابة أنّ هذا الذي اقتربت منه، أو اقترب منها، لا يحقّق لها السعادة مستقبلاً؛ أعرضت عنه، وأشعرته بازدرائها له!

فإذا شاهدها تمازح غيره، أو تبادله الحبَّ والقربَ؛ فلن يكون موقفه منهما قطعاً موقفَ المعرضِ عنهما، والراضي بواقع الغرام الحادثِ بينهما!

فإذا حصل ما حصل مع مثل الطالب الجامعيّ وزميلته في المنصورة؛ لا يصحّ أن يقال: هي حرّةٌ، ومن حقّها أن تتركه، وتحبّ غيره!

لكنْ يصحّ أن يقال: إنّ خروجها سافرة؛ أدّى إلى لفت الأنظار إليها، ثم أدّى في وقوعها في حبٍّ ظنّته سيسعدها، فلمّا تيقنت أنه ليس كذلك؛ أعرضت عن حبّها - وهذا شأن أكثر البشر، رجالاً ونساءً - لكنّ قلب الشابِّ الذي أحبّها؛ ليس على مزاجها.

ولو فكّكنا المسألة، ورجعنا إلى جذرها الأوّل؛ لوجدنا الله تعالى قال: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى!

وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ، وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) [الأحزاب].

والقائلُ: إنّ هذا خطابٌ لأزواج الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ لا ينفي أنّ جميع ما أمرت به نساء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم؛ تُطالبُ به جميع نساءِ المسلمين.

فهل القرارُ في البيوتِ محمودٌ في حقّ نساء الرسول، وغير محمود في غيرهنّ؟

هل نساء الرسول منهيّاتٌ عن تبرّج الجاهليّة الأولى، ونساء المسلمين لسنا منهياتٍ عن ذلك؟

هل (وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ، وَآتِينَ الزَّكَاةَ، وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) خاصٌّ بنساء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبقيّة نساء الأمّة؛ لسن مطالبات بذلك؟

هل يريد الله تعالى لنساء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم طهارةَ الأعراضِ، ولا يريد ذلك لبقية نساء المسلمين؟

خطاب الله تعالى أزواج الرسول  في هذه الآية الكريمة؛ يسمّيه أهل البلاغةِ خطابَ الأعلى لتكريمه، ليكون شمول الخطاب لسائر الأدنى، من باب أولى!

فإذا كانت نساء الرسول - ونساء القائد الأعلى لا يطمع بهنّ أحدٌ في العرف والعادة - مطالباتٍ بهذه المطالب؛ فسائر النساء مطالباتٍ بها أيضاً أكثر من نساء القائد!

والله تبارك وتعالى يعلم؛ أنْ لا بدّ من خروج بعض النساء من البيوت؛ فشرع لهنّ الحجاب!

(يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) [الأحزاب].

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ، وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30).

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ، وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.

وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) [النور].

هذا التفصيل الدقيقُ؛ مقصودٌ منه التأكيدُ على ضرورة القرار في البيوت!

فإذا دعت الضرورة والحاجة الماسّة إلى الخروج من البيت؛ فليكن الحجاب والخمار!

وإنّ وجود الحجاب والخمار؛ لا يمنع من اشتهاء المرأة للرجل أمامها، واشتهاء الرجل للمرأة أمامه، ولو كانت محتجبة؛ فأُمر كلّ منهما بغضّ البصر عن الآخر، استشعاراً بطاعة الله تعالى، وخوفاً من عصيانِ أمره.

بعد هذا التوضيح المطوَّلِ؛ يصحّ أن نقول: إنّ أكبر سبب من أسباب جرائم الشرف، وجرائم العشق؛ سببها خروج المرأة من البيت، واختلاطها بالرجال!

قال الرسولُ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيها، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.

فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ).

أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2742) وأحمد في مسنده (10743) والترمذي في جامعه (2191) وقال: حديث حسن صحيح.

حدّثني من أثق بصدقه ودينه قال: «كنت شابّاً ناشئاً في طاعة الله تعالى، فرأيت شابّةً سافرةَ الوجه والكفين والساقين، فخطفَتْ قلبي!

كتبت إليها رسالةً، أعبّر فيها عن حبّي إيّاها، لكنها أخبرت إخوانها بالواقعة!

كان إخوانها عقلاءُ، وكنت أنا شرساً جدّاً، ليس من السهل نشوب معركة بيننا!

فاتّبَع إخوانها سبيلَ الحكمة في هذه الواقعة.

يقول هذا الشابُّ: أصابني رفضها إيايَ بصدمةٍ قويّةٍ، غدوتُ بعدها أتناول الدخان، وأرتاد المقاهي والسينما.

ولأنّ أكثر روّاد السينما من السفهاء والجهال الطغام؛ فقد كنتُ باستمرارٍ أختار جلوسي في الطابق الثاني الأغلى قيمةً، وكانوا يسمونه عندنا (اللوج).

كان الطابق الثاني واسعاً جدّاً، وكان عدد الجالسين فيه لا يتجاوز عشرين شخصاً، وليس فيهم امرأة واحدة!

عقبَ بداية عرض الفيلم؛ دخلَ شابٌّ وصبيّة، وجلسا قريباً مني، من دون انتباهٍ منهما إليّ.

التفتّ إليهما عن غير قصدٍ، فميّزتهما في الظلام، وكان يمسك بيدها ويقبلها وهي تميل برأسها عليه، وتضعه على كتفه!

قال الشاب: هجمتُ عليهما، فصفعت البنت صفعةً واحدةً قويّةً جدّاً، ثم اشتبكت مع الشابّ الذي لم يكن جباناً أبداً، حتى ملأتُ وجهه دماً، وملأ وجهي دماً أيضاً، وفصل الناس بيننا، وتوعدتُهما أنْ إذا شاهدتُهما معاً؛ سأقتلهما بالرصاص!

قال الشابُّ: عقب هدوئيّ، وصلاتي العشاءَ؛ قلت في نفسي: إذا كانت البنت لا ترغب بك، وهي لا تمانع أن يقبّلها شابٌّ، ويضمّها بالحرام، ومن المحالِ أن ترضى بها زوجةً لك؛ فماذا تجني لو قتلتَه أو قتلتَها أو قتلتَهما معاً؟

وهل هي أهلٌ لأن تُزهق نفساً مسلمةً عاصيةً من أجلها؟

قال الشاب: كان هذا في عام (1968م) ومنذ ذلك العام، وحتى غادرت بلادي سوريّا؛ لم أمرَّ من أمام بيت أهلها قطُّ، حياءً من إخوانها الكرام من جهة؛ وإغلاقاً لبابِ الشرّ من جهةٍ أخرى!

قال الشابّ: لو سألتني عن موقفك النفسيّ من تلك البنت؛ لقلت لك: إنني ما زلتُ حتى اليومَ أحبّها»!

أقول: أليس خروج البنت من بيتها، وسفورها، وظهور ساقيها؛ هي أسباب ما حصل، وما كان يمكن أن يتطوّر؟

ختاماً: إنّ العاطفةَ المتبادلَةَ بين الرجل والمرأة؛ هي أعمق وأصعب علاقة بين إنسانين، وإذا نتج عن تلك العاطفةِ خيانةٌ أو مظنّتها، أو إحباطٌ، أو تعيير، أو إثارةٌ؛ فلا يستبعد أحدٌ أن يحصل ما حصل بين محمّد عادل ونيّرة أشرف أبداً، بل هو متوقّع في كلّ واقعة حبٍّ أخفقت!

فاتّقوا الله تعالى، وتوبوا إليه، وباعدوا بين أنفاس الرجال والنساء، وأقرّوا النساء في بيوتهنّ، وعلّموهنّ منفرداتٍ عن الشباب، وحقّقوا الفصل التامّ بين الجنسين، إلّا بالزواج الشرعيّ.

ومن يزعم أنّ كثرةَ الاختلاط بين الجنسين؛ يخفّف من حدّةِ الشهوة بينهما؛ فهو كذّاب، فقد تعلّمنا بالجامعاتِ المختلطة، وعلّمنا في الجامعات المختلطة والمنفصلة؛ فما زادنا وجود المرأة - محجّبةً وغير محجّبةٍ - إلا اشتعالاً ورغبة بهنّّ!  

ولم يكن الأمر من قبلِهنّ بأقلّ مما هو لدينا نحن الرجال!

ولو كنتُ ممّن يجوّز (المتعةَ) أو يجوّز (زواجَ المسافر) أو يجوّز (زواج المسيار) كنت تزوّجتُ (100) امرأةٍ في الحدّ الأدنى، ومن دون أن أدفع دولاراً واحداً للمهور!

لا تنزعجوا من صراحتي، فأنا رجل غيور، لا أغارُ على محارمي وحسب!

بل إنني أغار على كلّ امرأةٍ في هذا الوجودِ، حتى لو كانت غيرَ مسلمة، وأتألّم لألمها، ولو كانت من شرار نساء الأرض، ولو مدّت إليّ يدها لأعينها، وكنت مقتدراً؛ ما تردّدت لحظة في ذلك.

والله تعالى أعلم

(رَبَّنا: ظَلَمْنَا أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

هذا.. وصلّى اللهُ على سيّدنا محمّد بن عبداللهِ، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.

     والحمد لله على كل حال.