مسائل حديثيّة (62):
مَناتِنُ المَرْأَةِ !؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنا، وَإِلَيْكَ الْمَصيرُ.
رَبَّنا: لَا تَجْعَلْنا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
سألني أحدهم عن حديث: (من نظر
إلى امرأةٍ، فأعجبته؛ فليذكر مناتنها)
أصحيح هو؟
وإذا كان صحيحاً؛ فما تفسيره؟
قلت له: قرأتُ هذا الكلامَ في
أساس البلاغةِ للزمخشريّ، ربما قبل ستّين عاماً، وبحثتُ طويلاً، وسألتُ عنه عدداً
من الشيوخ، في تلك الأيّام؛ فلم أستطع الوقوفَ على مصدرٍ له، سوى أساس البلاغة
للزمخشريّ.
وعندما سكنتُ مكّة المكرّمةَ -
زادها الله شرفاً وتعظيماً وأمناً - قرأتُ نحوَ هذا الكلام في أحد كتب الفقه
الحنبلي - لا أتذكّر اسمه - وعزاه لابن مسعود!
ولم يسألني عنه أحدٌ طيلةَ هذه
السنين، وسأبحثُ عنه بعدما تيسّرتْ لنا سبل البحثِ في الموسوعات!
أقول وبالله التوفيق:
أخرج أبو يوسف في كتاب الآثار
(894) عَنْ
أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادِ بن أبي سليمان، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعيّ؛ أَنَّهُ
قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ، فَأَعْجَبَتْكَ؛ فَاذْكُرْ مَنَاتِنَها».
وأخرج أبو بكرِ ابنُ أبي شيبة
في المصنّف (17205) قال: حَدَّثَنَا زيدُ بنُ حُبَابٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ
سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَخعيّ: فِي الرَّجُلِ
يَرَى الْمَرْأَةَ قَالَ: «يَذْكُرُ مَنَاتنَها».
وقال الزمخشريّ في أساس البلاغة (2: 248): وفي الحديث: «إذا رأى أحدكم امرأةً فأعجبته؛
فليذكر مناتنها».
وفي تهذيب اللغة للأزهريّ (14:
30) «روى اللِحياني عن الأصمعيِّ قال: «اذْكُر مَناتِنَها
وأَناتِنَها».
وفي إرواء الغليل للشيخ الألبانيّ (6: (1789): «لم
أَقفْ على سنده إلى ابن مسعود، وقد أخرج ابن أبي شيبة بإسنادٍ رجالُه ثِقاتٌ نحوَه
عن إبراهيمَ النخعيّ».
قال عداب: فيما قاله الشيخ
الألبانيُّ تساهلٌ ظاهر، فالإسناد فردٌ غريب مطلقٌ من لدن ابن أبي شيبة إلى
إبراهيم، وعطاء بن السائبّ قد تغيّر واختلط، فلا بدّ من بيان ذلك!
غيرَ أنّ عطاءً توبع من حمّاد
بن أبي سليمان متابعةً تامّةً، وحالُ حمّادٍ قريبةٌ من حالِ عطاء، بيد أنّ الرجلين
من العلماءِ المشهورَين بالرواية عن إبراهيم النخعيّ، فنطمئنّ إلى صدور هذا الكلام
عن إبراهيم.
أمّا مَقْصِدُ هذا الأثر
وغايتُه؛ فخلاصَته؛ أنّ المرأةَ أعظم وأكبرُ شهواتِ الرجل الدنيويّة، وهو إذا رآها؛
ثارتْ شهوتُه ورَغب بها، وربما قادته تلك الشهوةُ إلى افتراسِها، وهي ليست حلالاً
له، فماذا يصنع؟
مَن كانت له زوجة، يَسْهلُ
وصولُه إليها؛ يمكنُه أن يقضي وطرَه منها، فيذهب ما في نفسه من شهوةِ تلك المرأةِ
أو يخفّ، بحيث يستطيع السيطرة عليه بعدئذٍ!
أمّا مْن ليست لديه زوجةٌ، أو
كان يعسر عليه الوصولُ إليها، فماذا يصنع؟
يُرشِده هذا الخبرُ عن إبراهيم
النخعيّ الفقيه إلى أن يتذَكّر «مناتن المرأة» فإنّ ذلك يُضعِف شهوتَه إياها.
ولا ريبَ في أنّ مثلَ هذه
الوصفةِ النفسيّةِ والذهنيّةِ تنفع أصحابَ الذوقِ العالي، والحسَّ المُرهَفَ، فهم
إذا تذكّروا الحيضَ والنفاسَ وغيرهما ممّا كتبه الله تعالى على بناتِ آدم؛ تغيّرت
مشاعرُ أحدهم الشهويّة تجاهَ تلك المرأةِ التي شاهدها عرضاً في قارعة الطريق.
والله تعالى أعلم.
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
نبيّنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق