مَسائِلُ عَقَدِيّةٌ (8):
الشَعْبُ العظيم!؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(رَبَّنَا: عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا، وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ.
رَبَّنَا: لَا تَجْعَلْنَا
فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وَاغْفِرْ لَنَا.
رَبَّنَا: إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(رَبَّنَا: افْتَحْ
بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين).
كتب إليّ أحدهم يقول: «نسمع
بعض أبناء الحركات الإسلامية، عندما يريد أن يستميلَ عواطفَ العامّة؛ يخاطب أبناء
شعبه فيقول:
الشعب السوريّ العظيم!
الشعب العراقيّ العظيم!
الشعب المصري العظيم!
وهكذا يكون التعبير عن
بقيّة شعوب البلاد العربية!
فهل يجوز إطلاقُ وصف شعبٍ
ما بالعظيم، وفي شعوبنا من البلايا ما هو معلوم؟!
أقول وبالله التوفيق:
وصف الله تعالى ذاته
المقدسة بقوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ
حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) [البقرة].
ووصف فضله على عباده
بقوله: (وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (105) [البقرة].
ووصف فوزَ المؤمنين في
الآخرة بقوله: (خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) [النساء].
ووصف عذابَ الآخرة بقوله:
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) [البقرة].
ووصف قذف المحصنات بقوله:
(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) [النور].
ووصف عرش ملكة سبأ، حكايةً
عن الهدهد، بقوله: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23)
[النمل].
ووصف الكبشَ الذي افتدِيَ
به إسماعيل عليه السلام، بقوله:
(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ
عَظِيمٍ (107) [الصافّات].
وحكى لنا القرآن العظيم
قول كفّار قريشٍ: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ
الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) [الزخرف].
فلفظ «عظيم»: يأتي بمعنى
الكثير، وبمعنى الشديد، وبمعنى المُعظَّم والممجَّد.
والذين يطلقون هذه اللفظة،
فإنما يعنون بها الشعبَ المجيدَ المتميّز السامي.
والله تبارك وتعالى يقول:
(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) [الحجرات].
ويقول: (وَمَا أَكْثَرُ
النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) [يوسف].
ويقول: (وَإِنْ تُطِعْ
أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) [الأنعام].
ويقول: (يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) [الصفّ].
ويقول: (لَنْ يَنَالَ
اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ (37)
[الحجّ].
وفي كلّ مجتمع من
المجتمعات المسلمة أكثريّةٌ تترك الصلاة، وبعضهم يترك الصوم، وكثيرون لا يزكّون
أموالهم، وبعضهم يشرب الخمرةَ، وبعضهم يزني، وبعضهم يرابي، وبعضهم يسرق، وبعضهم
يبطشون بالناس، وكثيرون يَكذبون ويغتابون!؟
فهل هؤلاء عظماء؟
ختاماً: إذا قصد قائل «الشعب
العظيم» الثناءَ على الشعب وتمجيده وترفيعَه؛ فنقول: لا يجوز وصف شعب بأكمله بأنه
شعبٌ عظيم؛ مثلما نقول: لا يجوز تكفير شعبٍ بأكمله، أو طائفة بأكملها، إنّما يوصف
كلّ فردٍ فيها بما يستحقّه.
ولا يخفى أنّ الرسول صلّى
الله عليه وآله وسلّم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم؛ الصلاةُ، فمن تركها؛ فقد
كفر) أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائيّ والترمذيّ في الإيمان (2621) وقال: حسن صحيح
غريب، وقد ورد بمعناه غيرُ حديث.
ولا يخفى على أحدٍ أنّ
جمهور العلماء حملوا الحديثَ على أنّه كفر عمليٌّ، يعني: إنّ تارك الصلاة فاسق!
وذهب جمهور العلماء، منهم المالكية
والشافعية والحنابلة إلى أنّ تارك الصلاة كسلاً وتهاوناً؛ يُقتل حدّاً!
فأين تارك الصلاة الذي
حكمه القتل، من العدالةِ أصلاً، فضلاً عن أن يكون من العظماء؟
(رَبَّنا: ظَلَمْنَا
أَنْفُسَنا، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنا؛ لَنَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ).
هذا.. وصلّى الله على
سيّدنا محمّد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
والحمد لله على كلّ حال.