الأحد، 28 سبتمبر 2025

       التصوف العليم:

التَصوُّفُ العَليمُ ما هوَ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: قال لي صاحبي: «أكثرتَ علينا من الكلامِ تحتَ عنوان «التَصوُّفُ العَليمُ» حبّذا لو تشرحُ لنا مفهومَ «التصوّفِ العليم» بكلماتٍ قليلاتٍ!

أقول وبالله التوفيق:

في الحديثِ المعروفِ بحديثِ جبريلَ عليه السلام؛ أنّه سألَ الرسولَ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم قائلاً: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،  وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ  عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

قَالَ جبريلُ: صَدَقْتَ!

قَالَ عمر: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ!

قَالَ جبريلُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ جبريلُ: صَدَقْتَ.

قَالَ جبريلُ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ؟ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ؛ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم والترمذيُّ وقال: حديث حسن صحيح.

وجوابُ سؤالِك الوجيزُ - أخي السائلُ - هو الالتزامُ بتطبيق نصوص الكتاب الكريم والحديثِ النبويّ الصحيح، والاسترشادُ بفتوى فقيهٍ سالكٍ!

أمّا الجوابُ الموسّع قليلاً: فالتصوف العليم يشمل كلَّ توجيه قرآنيّ نحو العبادةِ العامّةِ والخاصّةِ، المفروضةِ والمندوبةِ، وكلَّ صيغةِ ذِكْرٍ ودعاءٍ وضراعةٍ وتوبةٍ واستغفارٍ واردةٍ في القرآن الكريم!

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بتلاوتِه؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بقيامِ الليلِ؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بالإنفاق في سبيل الله؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بالأمر بالمعروف؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم ببرّ الوالدين؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

عندما يُرغّبُ القرآن الكريم بحسن الخلق؛ تطبيق ذلك من التصوّف العليم.

وهكذا كلّ خيرٍ أراد الله تعالى منّا أن نأتيَه؛ تطبيقه من التصوّف العليم.

بعيداً عن التنطّعِ والغلوِّ والتشدّدِ، إذ «التشدّدُ يُحسنه كلُّ أحدٍ، وإنما الفتوى رخصةٌ من عالم» كما يقول الإمامُ سفيان الثوريّ!

قيل للإمام عليّ عليه السلام: هؤلاء يصلّون الضحى، ويصلّون التراويحَ جماعةً، أفلا ننهاهم؟

قال: «دعوا الناسَ وما ألِفوه، فإنّ الله تعالى لا يُعاقبُ على الصلاةِ».

وفي روايةٍ أخرى قال: «ويحكم! أفلا تقرؤون قول الله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) [سورة العلق].

والله تعالى أعلم.

والحمد للهِ على كلِّ حالٍ.

الاثنين، 22 سبتمبر 2025

        التصوف العليم:

الحَمدُ للهِ على نعمةِ التَصوّفِ !؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: أعتذرُ من جميع قرّائي وأصدقائي الكرامِ، إذا صرّحتُ بأنني لا أتابعُ أحداً منهم البتّةَ، ولذلك أسباب عديدةٌ عندي، أيسرها اجتنابُ سبّ بعضهم أو سبّ قرّائه إيّاي، جهلاً أو حُمقاً أو لؤماً أو هوى!

وجميعُ تعليقاتي التي ترونها على صفحات «الفيس» أسطُرها عندما تمرّ بي صفحةُ أحدهم!

وإذا علّقتُ ناصحاً، وشتمني أحدُ السفهاءِ؛ لا أعلّق على كلامه غالباً، لأنني أعذر الناسَ بالجهلِ، كما أعذرهُم بالاجتهاد!

وقد ظَهرتْ أمامي صفحةُ «دكتور» في الحديث النبويّ الشريف، شتم فيها عدداً من أكابرِ علماء المسلمين شتائمَ قميئةً، يستحيي المسلمُ العاقلُ - فضلاً عن العالم - أن يقذف بها أحدَ سفهاءِ العوام، وممّا قال: «الكوثريّ على وساختِه».

كنت في الرابعةِ أو الخامسةِ من عمري - تقريباً - عندما استأذنتُ والدتي لأشتري حلوى من دكان الحيّ القريبة من بيتنا.

سمعتُ أحدَ الصغارِ يشتمُ صغيراً آخر، يقول له: «أخو القــــ..ح، ابن القــــ..ح» ويضربُ أحدُهما الآخرَ.

عندما رجعتُ أحملُ الحلوى؛ خَلّصتني إحدى بناتِ عمّي الأكبرِ مني سنّاً قليلاً الحلوى، وراحت تقضمها بسرعةٍ حتى لا يُشاركها بها أحدٌ من صغار الدار!

غضبتُ منها كثيراً، وشتمتها «رَشّاً» عدداً من تلك الشتيمةِ التي سمعتها في «الحارة» وأنا لا أعرف من معناها، إلّا أنها تعبيرٌ عن الغضب والاستنكار!

والدةُ بنتِ عمّي؛ هي أمّي من الرضاعِ، عندما سمعتني أشتم ابنتها بتلك الشتائم؛ ضربت وجهها بكفّيها، وأقبلت عليّ، وأطبقت بكفّها على فمي، وهي تقول: «عيب يا عداب، لو سمعك جدُّك، سيسلخُ جلدَك» وكنّا نهابُه هيبةً عجيبةً رحمه الله تعالى.

لست أدري من الذي أبلغَ جدّي تلك المصيبةَ، فأجرى معي تحقيقاً مطوّلاً، وأنا «مثل الأطرش في الزّفّة» فلما استيقنَ من أنني لا أعرف معنى تلك الشتيمةِ؛ قال لي: «هذه الشتيمة تستوجبُ حدّ القذفَ ثمانين جلدةً» وأنا لا أعرف معنى القذفِ، ولا حتى معنى الجَلد!

كان لدى جدّي أنواع وأحجامٌ من أعواد «الخيزران» فاستلّ عوداً رفيعاً جدّاً، وضربني على كفيّ وقدميّ عشرين جلدةً، غدوت أصرخ حتى كاد يغمى عليّ!

ثمّ بعد عدّةِ أيّام جلدني على كتفيّ عشرين جلدةً أخر، حتى أتمّ ثمانين جلدةً في أسبوع، كما قال لي!

بعد هذه العقوبةِ؛ لا أتذكّر أنني شتمت مخلوقاً، أيّ شتيمةٍ جارحة!

وعلى كثرةِ الصراعاتِ الشخصية والحزبية والسياسيّة في أيّام شبابنا؛ كنت ربما ضربت خصمي بقسوة بالغةٍ، بيد أنني لا أتذكّر أنني شتمتُ أحداً منهم أيّ شتيمة!

كان شيخنا ومُربّينا الشهيد مروان حديد، رحمه الله تعالى رأساً في عفّة اللسان، مهما غضب وأثير، وأفظع شتيمة سمعتها منه طيلةَ أحد عشر عاماً من صحبته، جملة «هذا ابن الستّة عشر»!

حتى عندما شتمه الرئيس «أمين الحافظ» شتيمةَ «ابن شوارع» أجابه الشهيد مروان:

«ويلاك أمين: خلّ خصومتك شريفة، عيب عليك»!

سألته بعد سنواتٍ: شيخنا هو اسمه مركّب «محمّد أمين» لم خاطبته بأمين فحسب؟

قال مستاءً من سؤالي «الساذج»: هل يليق أن أذكر اسم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أقول: «ويلاك... خلّ خصومتك شريفة»؟

في دُورِ الفقراء «الشاذليّة والنقشيّة والخلوتية والقادريّة والرفاعيّة» كانوا يربّوننا على احتمال الإخوان، والاستغفار لهم، والصبر على السفهاءِ والدعاء لهم.

ولعلّي سمعت جملة «ما فازَ من فاز إلّا بالأدب» وجملةَ «الأخلاقُ قبل العلم والذكر» وجملة «من عَلم أنّ كلامَه من عمله؛ قلّ كلامُه وكثر صمته» مئاتِ المرّات!

وأنا أسألُ ذاك الدكتور والمعلّقين على صفحتِه: «كم حسنةً تُسجّل في صحيفته» عندما جعل العلّامةَ الكوثريَّ - رحمه الله تعالى - «وَسخاً»؟

الصحابةُ رضي الله عنهم اختلفوا وقتلَ بعضُهم بعضاً، ولعنت طائفة منهم أنبلَ المسلمين وأتقاهم!

ونحن نختلف كثيراً، ولا يقتل بعضنا بعضاً، والحمد لله ربّ العالمين، أفلا نتذكّر تلك المعاني الساميةَ، فلا نفجر في خصوماتنا؟

ألم يسمع أولئك الإخوة الشتّامين قول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا.

الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.

بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) أخرجه البخاري ومسلم، وهذا لفظه.

ألم يسمعوا قول الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) أخرجه البخاري ومسلم.

وهل كلمة «فاسق» هيّنة لديهم، بل هل يليق بعالم أن يكون فاسقاً؟

ألم يسمعوا قول رسول اللهِ، صلى الله عليه وآله وسلم: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَحْسَنّا، وَإِنْ ظَلَمُوا؛ ظَلَمْنا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ؛ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا؛ فَلَا تَظْلِمُوا) أخرجه الترمذي، وقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ».

ختاماً: أخطأَ فلانٌ، وتطاولَ فلانٌ، وشتم علّان، وشنّع علتانٌ، إنّما يُهمّك نجاتُك - أخي المسلم - في الدرجة الأولى.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا، فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) [المائدة].

والحمد لله على كلّ حال.

الخميس، 18 سبتمبر 2025

      التصوف العليم:

العَقلُ المسلمُ ما هو!؟

بسم الله الرحمن الرحيم

(الحمدُ للهِ، وسَلامٌ على عِبادِه الذين اصْطَفى(.

أمّا بعد: نجد على هذا الفضاء «الفيسبوك» أناساً أفاضلَ لديهم أدبٌ وأخلاق، ونمرّ على أناسٍ خالين منهما، ممزوجين في الحمقى والسفهاء، والعياذ بالله تعالى.

وليس في رواياتِ المحدّثين حديثٌ واحدٌ يصحّ في العقل، وإنْ جاءت آياتٌ قرآنية كريمة في معناه، بل في معانيه وأبعاده.

أخرج الإمام ابن حبّان في روضة العقلاء (1) والطبراني في المعجم الكبير (5928) والأوسط (2940) والحاكم في المستدرك (151، 152) وجمع غيرُهم، من حديثِ أبي حازمٍ سلمةَ بن دينارٍ عن سهل بن سعدٍ الساعديّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَكارِمَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسافَها) وهذا حديثٌ صحيح، وهو مرويّ متّصلاً وموقوفاً ومرسلاً ومقطوعاً، عن عددٍ من الصحابة والتابعين.

قال ابن حبّان رحمه الله تعالى: « لست أحفظ عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم خبرا صحيحاً في العقلِ؛ لأنّ أبانَ بنَ أبي عيّاشٍ، وسلمةَ بْنَ وَردانَ، وعميرَ بنَ عِمرانَ، وعليَّ بنَ زيدِ ابنِ جُدعانَ، والحسنَ بْنَ دينارٍ، وعبّادَ بنَ كثيرٍ، ومسيرةَ بنَ عبدِ ربّه، وداودَ بنَ المحبَّرِ،  ومَنصورَ بنَ صُقَيرٍ، وذَويهم؛ ليسوا ممّن أحتجُّ بأخبارهِم، فأخَرِّجُ مَا عندَهم مِن الأحاديثِ، في العَقْلِ.

وإنّ مَحبَّةَ المَرءِ المكارمَ مِن الأخلاقِ، وكراهتَه سَفْسافَها؛ هو نَفْسُ العَقْلِ.

فالعَقلُ به يَكونُ الحَظُّ، ويُؤنس الغربةَ، ويَنفي الفاقةَ، ولا مالَ أفضلَ منه، ولا يَتمُّ دينُ أحدٍ حتّى يَتمَّ عَقلُه»...

وأفضلُ مَواهبِ اللَّهِ لعبادِه؛ العَقلُ!

ولقد أحسنَ الذي يَقولُ:

وأفضلُ قَسْمِ اللَّهِ للمرءِ عَقلُه ... فليسَ مِن الخيراتِ شيءٌ يُقاربُهْ

إذا أكملَ الرحمنُ للمَرءِ عَقْلُه ... فقد كَمُلَتْ أخلاقُه ومآربُهْ

يَعيش الفَتى في الناسِ بالعَقلِ، إنّه... على العقلِ يَجري عِلْمُه وتجاربُهْ

يزيد الفَتى في الناسِ جَودةُ عَقْلِه... وإنْ كان مَحظوراً عَلَيْهِ مَكاسبُهْ) انتهى كلامه.

ختاماً: متى وجدتُم إنساناً سفيهاً وقحاً، بعيداً عن مكارم الأخلاقِ؛ فاعلموا أنّه أُتيَ من قلّةِ عقلِه، فاجتنبوا صفحتَه، وادعوا له بالعافيةِ وصحّةِ العقل!

والحمد لله على كلّ حال.